"وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ"

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ" كلما ازددنا رشدا وكلما خبرنا الحياة بشكل أعمق ازددنا اقتناعا وتمسّكا بهذا النور المبين. ومن بين المواضيع التي تختصر الطريق على الإنسان وتكون له سدّا منيعا ضدّ الانجراف في وحل المعاصي والآثام والغفلة هو موضوع تذكّر الموت واستحضاره بين الفينة والأخرى ليُهذّب هذه النفس البشرية ويستخرج منها كلّ خير ويطمس فيها كل شرّ. الذّكر أو التذكّر عكس الغفلة وكلّما أدركنا أنّ غفلة الإنسان عن حقيقة ما ينتظره هي رأس الشرور كلّها؛ كلّما ازددنا ذكرا وتذكّرا وأحببنا أن نكون من زمرة الذاكرين.
ذكر الموت كباعث على الحياة
لم يأتِ الإسلام ليقتل الرغبة في الحياة والرغبة في العطاء والبذل بالتركيز على موضوع البعث والآخرة، بل إنّ فلسفة الإسلام ونظرته إلى الحياة واضحة في هذا الصدد وربما ليس أدلّ وأوضح من حديث الفسيلة حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، إذ ليس هناك وصف فوق هذا الوصف في أهمية البذل والعمل والزرع رغبة في حياة سرمدية برفقة الصالحين. فعين المؤمن على الآخرة بينما كلّ جهده منصبّ في هذه اللحظة في الدنيا التي هي مزرعة للآخرة، فله أن يعمل ما شاء من الصالحات وأن يكون دالاّ على الخير في حركاته وسكناته وقويّا يُستند إليه؛ كلّ هذا في سبيل رضا ربّه وفي سبيل الفوز بدار الخلود.
ذكر الموت كمحفزّ على الاستقامة
ليس هنالك دواء أنجع من تذكّر هادم اللذات لكي نستقيم على الطريق القويم ونتوب من الأخطاء والزلاّت ونواظب على المبرّات.
ذكر الموت كمحفز على تجديد النية
كلّما تذكّرنا ما نحن آيلون إليه كلّما كان ذلك محفّزا على تجديد النية ونفخ الروح في كل عمل أو عبادة نقوم بها حيث نبتغي من ورائها رضا الله والثواب ونُجنّب أنفسنا الوقوع في الرياء كي لا نجد أعمالنا يوم القيامة هباءا منثورا ونحن كنا نحسب أننا نحسن صنعا. وهذا هو لبّ العبودية لله وهو من تمام استحضار واستشعار عظمته في قلوبنا.
إعادة جدولة الأولويات
كما أنّه يساعدنا على ترتيب أولوياتنا والتركيز على الأهمّ في حياتنا، فلا تأخذ الأمور الثانوية حيّزا كبيرا من تفكيرنا.
المساعدة على الاستمرارية والتجاوز
ما الذي يُساعدنا على تجاوز أزماتنا ومعاناتنا على هذه الأرض غير يقيننا بأنّ الحياة فانية لا محالة وبأنّ الموت والبعث والحساب أمر لا شكّ فيه. والله تعالى يُخبرنا في محكم تنزيله أنّ المجرمين يُصرحون بأنهم ما لبثوا غير ساعة في هذه الحياة. فالزمن نسبي جدا وكل هذه الحياة الدنيا بآمالها وآلامها تمثّل برهة من الزمن مقابل الحياة الأبدية.
فاللهم نسألك الثبات واليقين والرضا والقبول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة