كيف كانت الحياة قبل ظهور السوشيال ميديا؟

في ظل ما نحياه اليوم من تغيّرات عديدة رافقت ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بات من الضروري التوقّف وإعادة النظر في ما آلت إليه الأمور ومن ثم التفكير الجدّي في ترشيد استعمال هاته الوسائل. لا يخفى على عاقل ما لإدمان هذه الوسائل من آثار مدمّرة على مستوى الفرد والجماعات، إذ يمكن للإنسان أن يُجرّب ويكتشف ذلك بنفسه كأن ينقطع لفترة معتبرة من الزمن عن استعمالها ويلحظ الفرق. فإذا كان لا يمكن الاستغناء عنها، فلا بدّ من ترشيد استعمالها بأية وسيلة. ترجمة أجزاء من مقال "كيف كانت الحياة قبل ظهور السوشيال ميديا؟" للصحفية ايريكا سوتر كفيلة بأن توضّح الصورة وتترك للقارئ فرصة التفكير والتأمّل وللمختص فرصة البحث والتساءل وإيجاد الحلول لمشاكل العصر.
----------------------
What Was Life Like Before Social Media?
erika sauter
كيف كانت الحياة قبل ظهور السوشيال ميديا؟
وُلدت وترعرعت خلال الثمانينيات، لقد قمنا بأكثر الأشياء جنونا في ذلك الزمن، كانت الحياة مذهلة قبل ظهور السوشيال ميديا، كانت مليئة بكلّ تلك الأمور التي يمكنك سماعها ورؤيتها ولمسها وشمّها وتذوّقها.
لقد كنّا نتحدّث لبعضنا البعض وجها لوجه، وكنّا نخرج ونزور أماكن سويّا على عكس ما عليه الواقع حاليا من تواصل افتراضي. لا شيء يُشبه ذلك الشعور المليء بالبهجة أثناء تبادل الملاحظات في القسم أو عندما تفتح علبة الرسائل وتجد رسالة من أحدهم بانتظارك، رسائل تصلك من أصدقاء القلم البعيدين وجرائد ذات صور أخاذة لأشياء لم ترها أبدا من قبل، كل هذا دون أن تزعجك الاعلانات التجارية الحالية.
كنّا نستعمل الأوراق والأقلام. التقطنا صورا لذكريات جميلة عبر كاميرات التصوير. وعندما كانت تواجهنا مشكلة ما؛ كنّا نتوجه نحو جلسة للعلاج وليس نحو فايسبوك.
كان لدينا الكثير من الوقت، وقت لمطالعة الكتب، ووقت لصنع وإبداع أشياء بأناملنا، ووقت لجلسات الصفاء ووقت لتثمين علاقاتنا والاستمتاع بها. وذلك الشعور بقوة التواصل وقوة العلاقة المنبعث من تبادل الملاحظات من طرف عدد قليل من أصدقاءك الحقيقيين في القسم هو شعور لا يُقارن بعلاقات سطحية لألفي متابع على انستغرام.
كانت الحياة تكتسي بمسحة السرية والغموض لأن كل الأمور التي كنّا نقوم بها لم تكن متاحة ومعروضة لأناس لم نكن حتى لنعرفهم، كنت أستحم وآكل وكان هذا أمر خاص بي وحدي ولم يكن هنالك منافسة في القيام بمثل هاته الأشياء.
لم نكن نستيقظ في الصباح الباكر مصاحبين بالضغط الفضيع لتفقّد اشعارات هواتفنا حول أخبار العالم المثيرة للغضب والذعر، لم يكن لدينا إمكانية الحصول على ملايين الآراء طوال الوقت.
كانت لدينا الفرصة لأن نكون فضوليين تجاه العالم وأن نبحث عن أجوبة بأنفسنا وذلك باستعمال المصادر المدرسية مثل الموسوعات التي كانت متوفرة في منازلنا، كان ذلك في زمان يتمّ فيه البيع بصيغته التقليدية، لكن الآن لدينا موقع كورا للإجابة عن أسئلتنا والذي تمّ إنشاؤه من طرف الموظفين السابقين لفايسبوك.
كنّا نستعمل خيالنا، قل لي بربّك: متى كانت آخر مرة وضعت فيها لوحتك الالكترونية جانبا من أجل أن تصنع لسرير نومك خيمة أو صندوقا لبطاقاتك لا لشيء سوى أنّك تستطيع ذلك فقط؟ اللعب مهمّ جدا للنمو ولا يُستثنى من ذلك البالغون، لكن ناذرا ما نوفّر وقتا لذلك. على العكس نحن نحاول تخفيف ضغط يوم من العمل الشاق من خلال تمرير أصابعنا على هواتفنا الذكية.
أعتقد أننا كنّا أكثر تعلّما وثقافة في الماضي، لم تكن هنالك خوارزميات تحدّد ما علينا معرفته، فقط لأنني فضولي إزاء أمر ما لا يعني أنّ هذا كلّ ما أهتم به، لدرجة أنني إذا حاولت أن أبحث عن موضوع في جوجل فهو الشيء الوحيد الذي سأجده بعد ذلك في خلفية مواقع التواصل الاجتماعي.
ما كلّ هذه الضغوط وماهذا الحسد والغيرة؟ كانت الغيرة في مستوايتها الدنيا في الماضي، ومصطلح الفومو والذي يعني "الخوف من أن يفوتك خبر أو حدث ما" لم يكن له وجود. إذا ذهب أحد ما في هذا العالم في سفينة سياحية إلى جزر البهاما أو فقد 27 كيلوغراما من وزنه باستعمال حمية عصير الكرنب؛ إذا حدث هذا ولم تكن لدي أدنى فكرة بحدوثه فسأشعر بارتياح اتجاه نفسي.
كنّا نشعر بالرضا بما عندنا، لم تكن لدينا رغبة في تقليد الصور المزيفة لحياة الناس على الانستغرام، كنّا نثمّن وقتنا ولا نعير اهتماما للماديات.
في مجال العلاقات؛ كان الأمر يحتاج إلى سنين قبل أن نصبح جدّيين مع أحدهم لأنّ الوسيلة الوحيدة للتعارف هي اللقاءات وجها لوجه، لم يكن بوُسعنا مطاردة وملاحقة بعضنا البعض على فايسبوك أو انستغرام أو تويتير أو ريديت.
لم يكن يعني وضع حالتنا الاجتماعية شيئا، ولم يكن بإمكاننا أن نترك على الانترنت استعراضات لحياتنا الزوجية الخاصة.
فيما مضى كنت إنسانة واقعية، كنّا أناسا واقعيين، كان أمرا آسرا ومثيرا للاهتمام وأشعر بالندم الآن لأنني لم أُدرك ذلك عندما واتتني الفرصة، لكن كيف لي أن أُدرك ماذا كان المستقبل يخبّئ لنا؟ لم تكن لدينا انترنت ولا كمبيوترات شخصية.
والآن نحن نعيش في عصر مختلف تماما، عصر الكلّ فيه متصل بالانترنت طوال الوقت، بإمكاننا الاتصال بالعالم أجمع بكبسة زر، ومع أنّ هذا الأمر مثير إلاّ أنني أشتاق لتلك الأيام التي ولّت، الآن بمقدورنا أن نحدّد أماكن تواجد أصدقاءنا على السنابشات، وهذا بالتأكيد تطفّل على حياة الناس.
المصدر الأصلي للمقال:
تزامنت ترجمتي لهذا المقال مع اكتشافي لسلسلة فيديوهات بعنوان "العيش على كوكب الوهم" للدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي في نفس الموضوع لمزيد استفادة:

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة