خطوات لزرع الثقة بالنفس عند الأطفال


سنشير في مقالنا هذا بإذن الله إلى بعض الخطوات الأساسية التي يمكن أن نخطوَها على طريق زرع احترام الذات عند الأطفال:

- الحبّ الغير مشروط:                                                  
يحتاج الأطفال إلى أن نثبت لهم بين الفينة والفينة أننا نحبّهم حبا غير مشروط، نحبهم حبا غير معلّق بشيء، بل نحبّهم لسبب واحد هو أنّهم أبناؤنا وكفى. هذا النوع من التعامل مع أبنائنا يشعرهم
بالأمان وبأنّهم محبوبون دوما.
- احترام وتقدير الجهد المبذول من طرف الطفل:
 علينا أن نُشعر أبناءنا بأنّنا نقدّر أي جهد يبذلونه في الدراسة وفي أي عمل آخر، وعندما يتعلّم الطفل مهارة من المهارات، وعندما يبذل جهدا في حفظ شيء من كتاب الله، أو عندما يقوم بمساعدة شخص ما.. علينا أن ننظر إلى كلّ هذا بعين التقدير، وذلك بقطع النظر عن النتائج التي يصل إليها. فينبغي أن ينصبّ تركيزنا على الجهد لا على النتائج؛ فمثلا الطفل المتوسّط الذكاء الذي يبذل جهدا مشهودا في دراسته لكنه لا يحصل على نتائج جيدة، علينا أن نثمّن جهده بغضّ النظر عن نتائجه، هذا ما يجعله يتسمرّ ويثق بنفسه أكثر ولا يفشل ويجعله مستعدا للعيش في زمان يتطلّب الكثير من الجهد وكثير من النشاط. فالمهمّ في تربيتنا وفي نظرتنا إلى الطفل ليس النجاح، وليس الفوز والتفوّق، المهمّ قبل كلّ هذا هو: المحاولة الصادقة، وبذل الجهد، وتذوّق طعم العناء مهما كانت النتائج التي تترتّب على ذلك.
كثير من الأطفال صاروا يخافون من الإقدام على أي عمل ليس خوفا من النتائج السيئة التي من الممكن أن يحصلوا عليها، ولكن خوفا من لوم الأهل والأقرباء. هكذا هي البيئة السيئة تدفع أبناءها دفعا نحو: الكسل والخمول والاصطفاف إلى جانب عشرات الألوف من المتفرّجين العاطلين الذين لا يُحسنون شيئا، ولا يعملون شيئا.
 - اكتشاف الذات:
إنّ احترام الذات متوقّف إلى حدّ كبير على اكتشاف الذات؛ كيف يحترم الإنسان ذاته ويشعر بأنّها جديرة بالتقدير إذا لم يعرف صلابة تلك الذات، وإذا لم يعرف فضائل تلك الذات، وإذا لم يعرف ميزات تلك الذات؟؟. ومن هنا فنحن مطالبون بتشجيع الأبناء على المشاركة في كلّ الأنشطة الجيدة التي تساعد على الاحتكاك بمختلف أطياف الناس والتعلّم منهم: كإمضاء بعض الوقت مع مدير مكتبة، أو فلاّح في خدمة الأرض، أو نجار، أو عامل نظافة أو تاجر، نشجّعه على الانتساب إلى الحركة الكشفية الجيدة، والمساهمة في الأعمال الطوعية والرياضية: كلّ هذا يساعده على اكتشاف ذاته وميوله ونقاط القوة لديه وكذلك يجعل منه إنسانا يحترم ما يبذل غيره من جهد وعناء فلا يستهين ولا يستهزئ بالأشخاص والمهن والحِرف المختلفة.
- الاعتماد على النفس:                                               
                                                                                                    علينا أن نعوّد الطفل الاعتماد على نفسه، وإنجاز بعض الأشياء من خلال خبراته ومهاراته، كأن نشتري له المواد الأولية اللازمة ونقول له: اصنع لعبتك بنفسك. هذا أفضل بكثير من أن نلبّي كلّ طلباته بخصوص شراء الألعاب الجاهزة، فعلى الطفل أن يسمع أحيانا منّا: لا، كما يسمع: نعم.                         
علينا أن نعوّده كذلك على إصلاح بعض الأشياء في المنزل، أو تنظيف حديقة المنزل، أو... نريد له أن يشعر بأنّ له دورا في الأسرة، دورا في الحياة، وأنّه يستطيع أن ينجز شيئا، ويصنع أشياء، لأنّ الثقة بالنفس ترسخ أكثر من خلال المنجزات، فعندما ينجز الإنسان شيئا يتأكّد من قدراته، وتصبح ثقته بنفسه أفضل، ولا تأتي الثقة بالنفس من وراء المزيد من الاستهلاك، أو المزيد من تخريب الأشياء المتوافرة.
-  طفولتنا لم تكن مثالية:
إذا أردنا للطفل أن يحترم ذاته فلا ينبغي أن نشعره بأنّ طفولتنا كانت طفولة نموذجية، خالية من الأخطاء ومثالية: مثالية في التعامل مع الأبوين والأقرباء، مثالية في الاستقامة الخلقية، مثالية في الدراسة والنجاح... لأننا سندفع بهم إلى الشعور بالضآلة، بالعكس، علينا أن نقول لهم: إننا لم نكن متفوقين في المادة الفلانية، ونشعر أنّنا كنّا مقصرين في حقّ والدينا، و و...وهذا من أجل إفهام الصغار طبيعة الحياة، وطبيعة النقص الذي تنطوي عليه نفوس البشر، وأنّ الوقوع في الأخطاء أمر طبيعي لا ينافي ما يمكن أن نكون عليه من التفوّق والنجاح واحترام الذات.
- الثناء على الطفل ينبغي أن يكون في محلّه:                         
 الإسراف في الثناء، ومنح الثناء في كلّ الأوقات سيعني في النهاية لا شيء، يجب أن يحمل الثناء معنى المكافأة، وأن يكون مقابل فعل معيّن حتى نشجّع الطفل على الاستمرار في هذا الفعل، وعلى الاستزادة منه، لا أن يكون كلاما عاما: أنت ممتاز، أنت عظيم..بل: بِرُّك بوالدتك موضع إعجاب أخوالك وأعمامك، مداومتك على صلاة الجماعة تدخل السرور في قلوبنا.
كما أنّ التقصير في المديح يُدمّر حوافز الطفل على بذل الجهد، ويُشعره بالغبن والظلم، ويجعله يتساءل إن كان حقا قد فعل شيئا مهمّا. فلنكن حكماء في تصرّفاتنا إذا.
- نوعية أسلوب تعاملنا مع الطفل:                              
يؤكّد الدكتور بكار على أنّ هذه النقطة تُعدّ أهمّ من سابقاتها، حيث أنّه إذا أردنا للطفل أن يحترم ذاته وأن يحترم غيره فإنّ علينا أن نعامله باحترام، وذلك من خلال أسلوب التعامل معه، وعلى هذا الأسلوب أن يكون قائما على العديد من العناصر من أهمّها:
  -أسلوب مخاطبتنا للصبي، يجب أن يكون مملوء بالحبّ والعطف والحنان والمجاملة: يا بني، يا حبيبي، يا عزيزي.. وبعض الأطفال يحبذ أن يُكنّى باسم معيّن، وهناك كلمات جميلة يحبّها الأطفال: يا بطل، يا ذكي، يا شجاع، يا جميل..
  - علينا أن نحترم مشاعر الطفل، وأن لا نُذكّره بأخطائه، وأن لا نضغط عليه ليصاحب أحدا ما أو يلعب معه، بل علينا أن نستعمل أسلوب الحكمة بعيدا عن الإكراه والإجبار.
 - الابتعاد عن تلقيبه بالألقاب السيئة، ووصفه بالأوصاف المذمومة مثل: حقير، تافه، غبي..، أو أن يُشبّه الطفل بالحيوانات. حيث أنّ اللغة السائدة في البيت تكشف بشكل صريح وقويّ ودقيق عن مستوى التربية ومستوى التهذيب، ومستوى الرقي لدى الأسرة، والأسر التي تستخدم ألفاظا بذيئة تُعبّر عن ذاتها، وتعبّر عن مستواها المنحطّ للأسف.
   - الاهتمام بآلامه، والاهتمام بمشكلاته ومساعدته على تجاوزها، فجزء من احترامنا له أن نهتمّ بتلك المشكلات، ولا نتركه للمعاناة.
  - تلبية رغباته وتطلّعاته في حدود الممكن، وفي حدود الاعتدال أيضا، حيث أنّ الدلال الزائد وتلبية رغبات الطفل كما يجب يؤدي هذا في النهاية إلى النتيجة نفسها التي يؤدي إليها الشحّ على الطفل والإمساك عنه وعدم مراعاة رغباته.
 - مفاجأة الطفل بالأشياء السارة، فهذا يُعبّر أيضا عن الاهتمام به واحترامه.
   هذه هي بعض العناصر التي ينبغي أن تكون متواجدة في ثنايا أسلوب تعاملنا مع فلذات أكبادنا. فكما هو واضح أنّ التنظير أمر سهل وهيّن، لكن الممارسة التربوية ليست كذلك، إذ تحتاج منّا إلى وعي أوّلا ثمّ صبر ومداومة ثانيا، ولكن لا ينبغي أبدا أن نستحضر المقصد من كلّ هذا ألا هو التقرّب إلى الله تعالى من خلال الاجتهاد في تربية هؤلاء الأبناء بأحسن ما يمكن، وتذكُّر هذا المعنى سوف يُشكّل لنا ما الوقود الروحي من أجل الاستمرار في البذل والعطاء، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21].
وقد لفت النبي عليه الصلاة والسلام نظر الأمة إلى مسألة الاهتمام بالطفل من خلال تعامله الحكيم مع الأطفال، وهناك الكثير من الأمثلة الرائعة والخالدة في ذلك، قال أنس: "إنْ كان النبي عليه الصلاة والسلام ليخالطنا حتى يقول لأخ صغير: يا أبا عُمير ما فعل النُّغير." إنّ هذا الاهتمام كان يتكرّر منه عليه السلام علما أنّه مع طفل صغير وذلك لِيُعّلم الأمة كيفية التنازل إلى مستوى الصغار، وكيفية الاهتمام بالأشياء التي يهتمّ بها الصغير، بما يُشعر هذا الصغير أنّه إنسان مكرّم ذو قيمة، وبما يُعزّز ثقته بنفسه تبعا، فصلّى الله وسلّم تسليما كثيرا على مُعلّم الناس الرحمة والرفق واللطف.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة