هدم الثقة بالنفس لدى الأطفال
(2)
بضدّها تُعرف الأشياء، كما يقولون.. لهذا وددنا أن نواصل تناولنا لموضوع الثقة بالنفس لدى الأطفال من خلال لفت الانتباه إلى بعض الممارسات السلبية والخاطئة التي يمارسها المربّون عن علم أو جهل، والتي لها تأثير سلبي كبير على الناشئة إذ تزعزع ثقتهم بأنفسهم، وتفقدهم احترامهم لذواتهم. من هذه الممارسات الخاطئة نذكر:
- المقارنات السلبية:
إنّ المقارنات السلبية مدمّرة لنفسية وشخصية الطفل، كأن نقول: أنت يا ليتك كنت مثل أخيك فلان، أخوك أفضل منك في الدراسة، أختك أذكى منك....هذه المقارنات السلبية تترك آثارا سيئة في نفوس الأطفال، مع أنّه لا مانع من أن نُبيّن الصواب وأن نُبيّن الخطأ، ولكن لنقلّل من هذا النوع من المقارنات بمقدار ما نستطيع.
- ضعف الثقة بالصغير:
مما يُسهم أيضا في إضعاف احترام الطفل لذاته ضعف الثقة به، فإذا تكلّم بكلام قلنا له: هذا الكلام غير صحيح، أنت تكذب. وإذا أراد أن يقوم بعمل ما نقول له: أنت لا يمكن أن تستطيع القيام بهذا القيام بهذا العمل، أنت لا تصلح لشيء، أنت لا تستطيع أن تحقق هذه الأمنية.... وهكذا نمضي في تحطيم أحلام وأمنيات الصغير بكلّ قسوة منا، وفي النهاية تصبح هذه المقولات أنّه لا مستقبل له، أنّه لا قيمة له، لا فائدة من وجوده، وتصبح هذه المقولات كذلك خلفية ثقافية ذاتية يتخذها مرجعا في تصوراته وفي آماله، بينما المطلوب منّا هو فعل العكس تماما، إذْ أنّه من أعزّ مسؤولياتنا الأبوية: جعل الطفل على درجة عالية من الثقة بالنفس كي يواجه الحياة بشجاعة وقوة وعزيمة..
يوجد الكثير من الفتيان لديهم إمكانات كثيرة ويستطيعون حقا فعل أشياء كثيرة، لكن الذين حولهم للأسف يعملون على تحطيمهم ويصوّرونهم بأنّهم واهمون، بينما هم يحتاجون إلى كثير من المساندة والتشجيع والثقة بهم وبقدراتهم فقط.
-عدم مراعاة المشاعر:
قد يكون لدى الطفل نقص أو نقطة ضعف في شيء معيّن، أو أخطا ذات مرة.. فبعض الأهل كلما أرادوا إغاظته والإساءة إليه ذكّروه بأخطائه ونقاط ضعفه،، فما المصلحة من وراء هذا التصرّف البائس؟؟
هناك معلومة بالغة الأهمية في هذا الصدد بإمكانها أن تغيّر نظرتنا وتعاملنا مع الأطفال، يُؤكّد الدكتور بكار أنّ: الطفل لا يملك معايير عقلية جيدة، لكنّ مشاعره كاملة، ويضيف أنّ: الطفل ابن السنتين يتأذّى شعوريا من كثير من الأشياء التي يتأذى منها الكبار، ولذلك فهذه القضية حساسة ومهمة جدا فلابدّ من مراعاة مشاعر الطفل تماما كما نُحبّ أن تراعى مشاعرنا ونتأذّى ممّن يجرح كرامتنا.
- الاستبداد:
هناك آباء وأمهات مستبدون ومستبدات حقا، فهم يستخدمون في تربيتهم العقاب القاسي والمتكرر من خلال: الصفع، اللكم، الضرب، الحبس.. وكثيرا ما يحدث ذلك لأسباب تافهة..فالذين يستخدمون في تربيتهم هذه الأساليب يُسبّبون لأبنائهم نوعا من الإعاقة النفسية والذاتية والشعورية، وأحيانا من الإعاقة الذهنية، ويدفعونهم دفعا في طريق احتقار الذات، وفي طريق الفشل والحقد على الأسرة والمجتمع، لأنّ الذي يُعامَل باحتقار وبإهانة يتكوّن لديه غالبا ما يشبه الأزمات النفسية، وتتكوّن لديه النظرة المتشائمة للحياة والأحياء وكذلك روح الانتقام...
إنّنا حين نغرس في نفوس الأطفال الثقة بأنفسهم، واحترامها وتقديرها نساعدهم على الاستهانة بالصعاب ومواجهة الأزمات، لأنهم يشعرون بأنّهم أقوى من الشدائد، ويملكون العدّة المطلوبة للتغلّب عليها.
- بعض سمات الطفل الذي لا يشعر باحترام ذاته:
نذكر بعض هذه السمات:
- شعور الطفل بالخجل الشديد الذي يجعله يتهيّب الدخول أمام الضيوف أو المرور أمام حشد من الناس..
- الطفل الذي لا يثق بنفسه طفل ضعيف متردّد في اتخاذ قراراته.
- الاعتماد شبه الكلّي على الآخرين بما ينبئ على أنّه إنسان يعاني من انسحاق الشخصية فلا يمكنه اتخاذ أبسط القرارات لنفسه بل تجده دائما يعتمد على غيره بأن يفكّروا ويقرّروا مكانه، وهذا نتاج التربية القاسية للأسف، إذ تحاول أن تجعل من الناس قوالب طبق الأصل للقالب الرئيسي المتسلّط.
-  يشعر بالانهيار والخزي والعار إذا انتقده أحدهم، فهو يكره النقد.
- يخاف من الإخفاق والفشل ويخشى المحاولة ومعاودة الكرّة.
- هو في حاجة دائمة إلى الدعم والمساندة من أقربائه، وذلك نتيجة شعوره بالضعف والخوف، فهو يكره المغامرة ويكره التفكير.
- يهتمّ بشكل مبالغ فيه في انطباعات الناس حوله، فالذي يثق بنفسه ويعرفها ويحترم اختياراته لا يهتمّ كثيرا بآراء الناس، رغم أنّه يأخذها بعين الاعتبار، لكن لا تصبح هذه القضايا شغله الشاغل، لأنّ له معاييره الشخصية وله قِيَمه ورؤيته الخاصة.

إنّ إخفاقنا في جعل أبنائنا يحترمون أنفسهم هو أمر سيّء جدا؛ فالطفل يتعلّم الارتياب والشكّ من خلال استخدام أسرته الأساليب القاسية معه، مثل العقاب البدني ومثل إصدار الأحكام القاسية عليه والنقد اللاذع.. فلننتبه ولنراجع أنفسنا ولا نترك أبناءنا يقعون ضحية لجهلنا التربوي الفادح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة